تعتبر الأنشطة اللاصفية المتنفس الوحيد للتلاميذ الذّين يقضون 8 ساعات في الصفوف في مدارسهم، ما يجعل هذه الأنشطة سبيلهم الوحيد لتنمية قدراتهم بعيدًا عن عالم الأحرف والأرقام وخارج جدران الصفوف. تشجع النشاطات اللاصفية التلاميذ على الانخراط مع أترابهم والتعرف أكثر على مهاراتهم الحركية.
تتجلى الأهداف الرئيسية للأنشطة اللاصفية في أنّها تهتم بتفريغ الطاقة الحركية للأطفال والتي لا يستطيع التعبير عنها مقيدًا على مقعده الدراسي، كما وتساهم هذه الأنشطة في ربط الحياة المدرسة بالحياة الاجتماعية لأنّ المدرسة هي المجتمع الأول الذّي يتعرف عليه الطفل بعد عائلته الصغيرة التي تعتبر النواة التي يخرج منها.
هذا ما يرسخ أهمية النشاطات اللاصفية للنمو الحركي والاجتماعي للطفل بالإضافة الى تطوير قدراته العقلية التي تحتاج التنمية خارج أسوار المدرسة بحيث تجعل ذكائهم غير مرهون فقط بالمواد التعليمية العلمية بل أيضًا بطريقة تفاعلهم مع المجتمع والآخرين مثل تطوير الروح الرياضية لدى الأطفال والتي نلاحظ غيابها لدى معظم الأطفال في المسابقات الرياضية.
اهمال النشاطات اللاصفية في لبنان
نلاحظ غياب النشاطات اللاصفية في المدارس في لبنان فحصص مثل الرياضة والفنون التي لا تعار اهتمامًا من قبل الجهات الإدارية، فنجد أنّ النقص في أساتذة الرياضة واضحٌ وحتى أنّ مناهج التربية الرياضية التي وضعتها وزارة التربية لا تطبق في أغلب المدارس الرسمية والخاصة، وإذا أعطيت هذه الحصة فالمستفيد هم فقط الذكور وذلك لأن الحصة قد تقتصر على مباراة كرة قدم أو كرة سلة للذكور دونًا عن الإناث اللواتي يكتفين بقاعات مغلقة لا تطابق مواصفاتها القاعات الرياضية والملاعب أبدًا.
إذا تعمقنا في هذا الموضوع، نجد أنّ السبب الأساسي يعود على بعض الأعراف «التعليمية» في لبنان والتي تزعم أنّ الذكاء مرتبط فقط بالرياضيات والعلوم واللغات. هذه المفاهيم الخاطئة في التي جعلت من حصة التربية الرياضية وقت فراغٍ للبعض وحصةً إضافيةً لبعض معلمي المواد الأخرى.
ما لا يعرفه الكثيرون هو أنّ الحصص الرياضية هي بمثابة كشاف للمواهب الكامنة بين التلاميذ في رياضيات مختلفة ككرة القدم والسلة واليد، وهو المنهج المتبع في دولٍ عدّة مثل كوريا التي تبنت فيها وزارة التربية الاهتمام بالتلاميذ اللذين حققوا المراتب الأولى في المسابقات الرياضية وإدخالهم الى المنتخب الوطني. في حي أنّنا نرى غيابًا لبنانيًا عن تنظيم مسابقات رياضية بين المدارس الخاصة والرسمية، وهي التي سيكون لها دورًا مهمًا في تعزيز التواصل بين الأجيال والمدارس وانشاء منتخب رياضي قادر على المنافسة.
والحال نفسه لحصة الفنون التشكيلية التي من أحد أسمى أهدافها أنّ تنمي الحس الفني والتعبيري لدى الطفل وتعرفه على عالمٍ جديدٍ قد يجد فيه ضالته فيما بعد. تهمل المدارس هذه الحصص أيضًا حيث يكتفي المعلم بجملة «ارسم رسمًا حرًّا» وذلك لتمضية الخمسون دقيقة وهي مدة الحصة المتعارف عليها في غالبية المدارس.
بذلك يبقى الطفل أسيرًا للمقاعد الدراسية والأقلام، ما يحبس الطاقة الطفولية في قلبه دون توظيفها بشكلٍ سليم، والذّي ينعكس على سلوكه الصفي وكيفية تعامله مع رفاق صفه ومعلماته. فنلاحظ أنّ بعض التلامذة يشاغبون كثيرًا بين الحين والآخر وقد يستخدمون العنف للمزاح مع أترابهم بسبب الضجر الذّي يشعرون به في الصف. هذا ما قد يعيق عملية التعلم ويؤثر على الانضباط الصفي، وهو ما يصّعب عمل المعلمة أو الأستاذ الذّي يقع على عاتقه إيصال المعلومات وضبط حوالي 30 طالبًا يجلسون في مقاعدهم دون حركة.
الأطفال بعد كورونا
انتشار فيروس كورونا والأزمة التي منعت الناس والأطفال من الخروج من منازلهم ولدت مشاكل كثيرة للأعمار الصغيرة بسبب الجلوس الدائم في المنزل والحرمان من المساحات الخضراء. هذا ما أثر على حركتهم في المدارس وفي التعامل مع الضوابط الصفية، ما جعلهم أكثر حاجة الى الحركة والانفتاح على العالم الذّي حرموا منه بسبب الجلوس في المنزل.
هنا يتبلور دور الأنشطة اللاصفية في تفريغ طاقات الأطفال وتنمية أجسامهم بطريقة صحية، ففوائد الرياضة تغيب عن التربويين أو أنّهم لا يعيرونها اهتمامًا أو يتجاهلونها لمصلحة المواد العلمية الأخرى التي يعتبرونها أكثر فائدةً من الحصص الرياضية أو الفنون رغم أنّها المحفزات الأساسية لتطوير مهارات الطفل واستيعابه لقدارته بل وتوظيفها بعيدًا عما قد يشعره بالملل.