باربي تروج لمناهضة القيم وتأجج أزمة عرضٍ في لبنان
الاثنين 14 آب 2023
من مِنّا لا يعرف «باربي»، الدمية الأشهر في عالم الأطفال والبنات تحديدًا، فأيقونة اللون الزهري لطالما كانت صديقة الفتيات الصغيرات والهدية الأجمل التي قد يقدمها الأهل لطفلتهم في مراحل طفولتها الأولى. حتى أنّ اسم هذه اللعبة ارتبط بمعايير الجمال فكان جمال الفتاة أو حسن مظهرها يقارن بدمية باربي.
فبعد رفوف محلات الألعاب وأسرّة الفتيات الصغيرات، قررت شركات انتاج هوليود تحويل دمية باربي البلاستيكية الى شخصية سينمائية بارزة في عالم الإنتاج الفني، حيث كان المشروع محط اهتمامٍ عالمي منذ إطلاق فكرته بسبب الشهرة الواسعة التي تتمتع بها باربي حول العالم وبين مختلف الشرائح العمرية. وكانت لعبة التسويق الواسعة للفيلم قد بدأت قبل عرضه بأشهر حيث أطلقت شركات الألبسة والأغذية ومستحضرات التجميل في العالم مجموعات محدودة واستثنائية باللون الزهري وشعار باربي وهي التي تهافت عليها الناس ورواد مواقع التواصل.
جميع هذه الضجة الإعلامية بدأت حتى قبل عرض الإعلان الترويجي ومعرفة محتوى الفيلم حيث توقع الكثيرون أنّ يروا باربي دمية تخاطب عالم الأطفال في فيلمها، لكن الحقيقة أنّ الإنتاج الضخم هذا اختلفت الرخصة العمرية لمشاهدته حول العالم، ففي بريطانيا سمح للمراهقين فوق ال12 سنة بمشاهدته أما لمن هم دون ال12، فيجب أنّ تكون المشاهدة برقابة من الأهل. في الولايات المتحدة، منع من هم دون ال13 سنة مشاهدة الفيلم بسبب «وجود بعض المحتوى الغير أخلاقي».
على ما يرتكز سيناريو «باربي»؟
حمل الملصق الإعلاني الأول جملة «She’s Everything, He’s just Ken»، وتعني «هي كل شيء وهو فقط كين» وهو يظهر تفوقًا ل «هي» على «هو»، ويصادق على محتوى الفيلم الذّي يروج للنسوية ويرفض وصاية الأب ويعتبر أنّ المرأة لا تحتاج رجلًا في حياتها بحيث أنّه يعيق تطورها وتقدمها.
فهل كانت النسوية ومحاربة النظام الأبوي وحدهما المفهومان اللذان روج لهما الفيلم؟ نجد أن باربي التي طردت من عالم الدمى المثالي تلجأ الى عالم البشر الحقيقي المليء بالكذب والخداع والسواد لتكتشف مخاطر العيش بين البشر الذّين يضطهدون «الحريات».
الأزمة الوردية في العالم العربي
أجلت الدول العربية عرض الفيلم الذّي تقرر عرضه في 21 تموز 2023 الى آخر شهر آب لمراجعة محتوى الفيلم وعرضه على هيئات الرقابة في الدول بسبب ما قد يحمله الفيلم من أفكار تعادي قيم المجتمعات العربية والإسلامية. لتقرر الإمارات إطلاق موجة باربي الوردية في صالات السينما بعد أن حصلت على موافقة هيئة الرقابة ولحقتها المملكة العربية السعودية.
فغضت هيئات الرقابة النظر عن الترويج لأفكار الشذوذ الجنسي والمثلية والتفكك الأسري التي يروج لها الفيلم الذّي حمل كغيره من انتاجات هوليود مسألة المثلية وحرية المرأة الجسدية و«اللا أسرة»، وهي مفاهيم تتعارض مع أخلاق المجتمعات العربية ومناهجها التربوية خاصةً أنّ الفيلم هو محط اهتمام الصغار قبل الكبار والأطفال والمراهقين الذّين هم في طور بناء الشخصية وتحديد معالم شخصياتهم وأفكارهم.
فتأثير باربي على الأطفال سيكون كبيرًا إذا ما سمح لهم بمشاهدة الفيلم الذّي يتضمن الكثير من الإيحاءات الجنسية التي لا تناسب التربية والأخلاق المجتمعية في الدول الشرقية، فمفاهيم الشذوذ ومناهضة الأبوية والأسرة ليست بالغريبة على الأفلام الأجنبية لكن نطاقها بدأ يتوسع فبعد منصة نتفليكس التي لا تبرح تذكرها في جميع انتاجاتها لمختلف الفئات العمرية لكن تواجدها في احدى أهم انتاجات العام الذّي تجاوزت ايراداته المليار دولار والفيلم الأكثر انتظارًا على شباك التذاكر شيء يتجاوز خطورة غيره من الانتاجات.
الكويت تمنع العرض ونزاعٌ في لبنان حول استقبال الفيلم الوردي
أصدرت هيئة الرقابة الكويتية قرارًا منعت فيه عرض باربي في دور السينما على امتداد الدولة بسبب أنّه «يروّج لأفكار دخيلة على المجتمع ويتعارض مع القيم الأخلاقية» وهو الموقف الذّي تعارض مع جيرانها في الخليج العربي.
أما لبنان فهو في طريقه الى منع هبوط طائرة باربي في بيروت، فبعد أنّ كان مقررًا عرض باربي في 31 آب 2023، أصدر وزير الثقافة محمد مرتضى بيانًا جاء فيه: « لدى التدقيق، تبيّن أنَّ فيلم «باربي» المُزمع عرضه قريباً في دور السينما اللّبنانية، يتعارضُ مع القيم الأخلاقية والإيمانية ومع المبادئ الراسخة في لبنان، إذْ يروّج للشذوذ والتحوّل الجنسي ويُسوّق فكرةً بشعةً مؤدّاها رفض وصاية الأب وتوهين دور الأم وتسخيفه والتشكيك بضرورة الزواج وبناء الأسرة، وتصويرهما عائقاً أمام التطوّر الذاتي للفرد لا سيّما للمرأة».
وكذلك قرر الوزير عرض الكتاب على وزير الداخلية ليوجهه الأخير الى الأمن العام اللبناني لاتخاذ كلّ الإجراءات اللّازمة لمنع عرض هذا الفيلم في لبنان بعد عرضه على هيئة الرقابة. جاءت هذه الخطوة مع غيرها من الخطوات التي يقوم بها المجتمع اللبناني لمناهضة الشذوذ الجنسي ومخاطره على المجتمع.
إلّا أنّ بعض نواب البرلمان واجهوا قرار المرتضى بذريعة أنّه قرار ديني ويمس بالقيم المدنية وحرية الرأي والتعبير، ما حرك النزاع القائم بين المرتضى والنواب الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي والقرار الآن أصبح لدى هيئة الرقابة التابعة للأمن العام اللبناني.
في هذا السياق، كتب وزير الثقافة القاضي محمد مرتضى مقالًا صرح فيه أنّ قراره بمنع عرض الفيلم يستند الى الدستور اللبناني والقيم الواردة في الكتب السماوية وأنّ الانتقادات الحاصلة لا تستند الى ثوابت ومراجع قانونية ومنطقية وعليه لن يأبه الوزير بأيّ منها بل سيناقش فقط أهل الدستور والقانون.
فإذًا، هل ستهبط باربي في العاصمة بيروت؟ أم أنّ قرار الوزير الحريص على مصلحة الأجيال القادمة سيتصدى للأفكار التي يروّجها الفيلم والتي تنافي القيم المجتمعية، فمنع العرض تحول الى أزمة سياسية ومن لا عمل له ولا معرفة عنده ما يبرح يعبر عن رأيه ويبدي امتعاضه من قرار يصب في مصلحة الأجيال القادمة.