موقع متخصص بالشأن التربوي اللبناني

الامتحانات الرسمية: بين إضراب الرسمي واعتراض الخاص

الاثنين 26 نيسان 2023

يصر وزير التربية على إجراء الامتحانات الرسمية في أوائل تموز بعد عام شهدت فيه الأوساط التعليمية في لبنان حالة من الجدل والتوتر حيث يتزامن الوقت الذي يقترب فيه العام الدراسي من نهايته مع إضراب الأساتذة الرسميين واعتراض الأساتذة الخاصين على سياسات وزارة التربية في البلاد.

في الجهة المقابلة يطرح طلاب الشهادات الرسمية في لبنان الذّين يقع على عاتقهم تطوير البلد والنهوض به في الأعوام القادمة السؤال التالي: كيف سنجري الامتحانات الرسميّة في ظلِّ واقعٍ تعليمي هشٍ وأزمةٍ اقتصاديةٍ خانقةٍ أطاحت بالجسمِ التربوي؟ لا يجد هؤلاء إجابةً من المعنيين الذّين صاموا عن الكلام لمحاكاة عقول الطلاب واكتفوا بإطلاق التصريحات والبيانات التي وضعت التلاميذ في دوامة من الحيرة على بعد شهرين من الامتحانات التي ستجرى بمناهج مقلصة و”كيف ما كان”.

 

:امتحانات رسمية ب 30% من المناهج المقرر

بعد البحث الذّي أجرته لجان التربية بالتشاور مع هيئات المدارس الرسمية والخاصة، وضعت مسودة أوليّة لإجراء الامتحانات الرسمية بمناهج توازي 25 أسبوعًا كان المركز التربوي للإنماء والبحوث قد قررها مطلع العام الدراسي الحالي بعد بلبلة خُلِقت بسبب عدم التوافق بين مدير عام التربية عماد الأشقر ورئيسة المركز التربوي هيام إسحاق.

نُسف هذا القرار بعد موجة الإضرابات التي ضربت القطاع العام والتعليم الرسمي لتعيد الوزارة تشكيل لجنة تعديل المناهج وتقليصها مرةً أخرى ما حمّل الأخيرة عبئًا ماديًا حيث تكبدت أموالًا لتعديل المناهج مطلع العام ثم تعديلها وتقليصها قبل شهرين من الموعد المقرر لإجراء الامتحانات الرسمية في شهر تموز المقبل.

حاليًا وبعد عمليات التقليص المستمرة، ستجرى الامتحانات الرسمية ب 30% من المناهج رغم أنّ القرار كان بأنّ تُدرج محاور تساوي 60% من المناهج التي كانت قد تقررت مطلع العام الدراسي. هذا ما أجج اعتراض وغضب أرباب المدارس الخاصة فاعتبروا أنّ التعديل هذا يمس بمستوى الشهادة الرسميّة التي يزعم الوزير أنّه يحاول الحفاظ عليها في وقتٍ يتأرجح التعليم فيه بين أجور معلمين لا تكفيهم لدفع تكاليف التنقل من وإلى مدارسهم وطلابٍ يأملون العودة إلى التعليم في المدارس الرسمية.

 

المدارس الخاصة جاهزة!

بالنسبة للمدارس الخاصة التي تحاول التعافي من تبعات كورونا والخسائر التربوية التي خسرتها مناهج المدارس بسبب التعليم عن بعد والصعوبات التي واجهها الأساتذة والطلاب خلال هذه الفترة، اعتبر اتحاد المدارس الخاصة أنّ تقليص المناهج يهدد مستوى الشهادة الرسمية في المدارس الخاصة التي تزعم بمعظمها أنّها أنهت المناهج بالكامل عكس ما ورد في احصائيات المركز التربوي.

فاعتراض المدارس الخاصة نابعٌ من حرصها على مصلحة التلامذة وأهلهم الذّين يتكبدون الأمرّين لتأمين الأقساط المدرسية ومخافة أنّ يخسر هؤلاء ثقتهم في المدارس الخاصة التي اختاروها لأولادهم. في هذا الصدد، طلب الاتحاد أنّ تجرى الامتحانات الرسمية بموعدين، موعدٌ قريب للمدارس الخاصة دون تعديل على المناهج المطلوبة أو إدراج نظام المواد الاختيارية فيها فلا يمكن على حسب قولهم إجراء الامتحانات بما يتناسب والمدارس الرسمية التي كان عامها الدراسي فعليًا عبارةً عن شهرين لا أكثر.

لاقى طلب اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة هذا الرفض من وزارة التربية التي اعتبرت أنّ الامتحانات الرسمية هي محفلٌ وطنيٌّ ولا يجوز التمييز بين الطلاب فيما يخص كيفية إجرائها، فضلًا عن أنّ هذا يمس بمبادئ الوزارة والدستور لناحية العدالة في التعليم بين أبناء الوطن الواحد وإرساء المساواة على مستوى الشهادة الرسمية التي تعتبر الأساس للقبول في الجامعات المحليّة والخارجية.

 

الفجوة بين الخاص والرسمي تتسع

توالي الإضرابات والتشرذم في القطاع العام، بالإضافة إلى الاكتظاظ الطلابي الذّي تشهده المدارس الرسمية بسبب دولرت أقساط المؤسسات الخاصة وتراجع المستوى المعيشي للمواطنين بفعل الأزمة الاقتصادية، أسبابٌ كفيلةٌ لضرب مستوى التعليم في المؤسسات الرسمية التي تعتبر ملجأ الفقراء والأهالي ممن تأثروا بالتحولات الاقتصادية في الأعوام الأخيرة. أما المدارس الخاصة، التي تتقاضى مستحقاتها بالدولار، اليوم وبعد عودة التعليم الحضوري تعافت من الأزمة التي فرضها عليها الوباء وتحاول ترميم جيل كورونا، أيّ طلاب الترمينال الذّين حصلوا على إفادات في الشهادة المتوسطة بعد أنّ ضرب كورونا لبنان والعالم.

هذا ما يغيب عن طلاب جيل كورونا في المدارس الرسمية الذّين ضربهم بعد الوباء شبح الإضراب المحق للأساتذة الذّين باتت اليوم أجورهم غير كافية لتأمين لقمة عيش كريمة، ولم يعد هؤلاء الأساتذة قادرين على الوصول إلى المدارس لتعويض الطلاب ما فاتهم في الأعوام الماضية وانهاء المناهج المطلوبة للامتحانات الرسمية لأنهم لا يملكون أصلاً ثمن بنزين يوصلهم إلى مراكز التعليم. وهو ما يرسي معادلة غير متكافئة بين طلاب الخاص والرسمي في مرحلة ما بعد الشهادة الرسمية أثناء امتحانات الدخول الجامعية في ظل الضوابط المشددة التي قد تفرضها الجامعات على الوافدين الجدد، فهل سيكون طلاب المدارس الرسمية جاهزون للمنافسة في امتحانات الدخول الى الجامعات؟

رغم أنّ وزير التربية يصر على إجراء الامتحانات في موعدها ويزعم أنّ الخطة التي وضعتها الوزارة قادرة على تعويض ما تبقى من المناهج المطلوبة لطلاب الثانويات الرسمية، قد يواجه الطلاب مشكلةً أثناء التقديم على الجامعات في لبنان والخارج بسبب غياب بعض المواد المطلوبة في امتحانات الدخول الجامعية عن المناهج المقلصة التي تتبناها الوزارة، والتي أدرجتها المدارس الخاصة في برنامجها الدراسي. هذا ما يكرس مبدأ الفجوة بين القطاعين الخاص والرسمي الذّي قد يغيب عن نتائج الامتحانات الرسمية ليظهر فيما بعد في نتائج الدخول الى الجامعات.

 

كيف ستموّل الوزارة الامتحانات؟

إلى جانب إصرارها على انجاز الامتحانات الرسمية في مواعيدها، تصر وزارة التربية على إجراء امتحانات الشهادة المتوسطة في ظل مطالبة المدارس الخاصة بعدم إجرائها حيث أنّها لم تعد معتمدة في العالم معتبرين أنّ هذه الشهادة هي عبارة عن عبء اقتصادي لا أكثر ومن الأفضل عدم الانفاق عليها والتركيز على إجراء امتحانات الشهادة الثانوية في خضم أزمة اقتصادية وتربوية خانقة.

وحسب مصادر تربوية تنوي الوزارة تمويل امتحانات الشهادة المتوسطة من الدول المانحة لا من الموازنة الخاصة بها، يبقى السؤال: أليس من الأفضل تمويل الشهادة الثانوية وعمليات المراقبة والتصحيح التي لن يقبل الأساتذة إنجازها دون مقابلٍ أو مقابل مبالغ زهيدة. في هذا الشأن يجري الحديث عن اتفاقٍ بين وزارة التربية وجهات خارجية منها البنك الدولي لتمويل الامتحانات الرسمية. فهل ستفي الوزارة بوعودها وهل ستجرى الامتحانات بعيدًا عن المحسوبيات والفساد المالي الذّي تعوده لبنان واللبنانيون في جميع القطاعات؟